large-image

التجربة والمعنى في التعلم عن بعد

قبل الحديث عن التجربة التي خضتها في مجال الخدمات الجامعية التي بدأت عام ١٩٦٠ ، جدير بنا أن نوضح للرأي العام الطالبي والتربوي والتعليمي المعنى الحقيقي للتعلم عن بعد أكان ثقافيًا أم مدرسيًا أم جامعيًا.

وبحسب تجربتي الطويلة التي تدخل اليوم عقدها الخامس يمكن ترديد ما قاله التربويون في العالم عن التسميات المتعددة لهذا النمط من التعليم والتعلم، فمنهم من أطلق عليه اسمالتعليم الحرومنهم من أسماه التعليم المفتوح، وآخرون أسموهالتعليم عن بعد“. أما نحن فقد أطلقنا عليهالانتساب الذي فرضته ظروف الطلبة الذين أرادو مواصلة دراستهم الجامعية في الكليات النظرية ( آداب وحقوق وتجارة) دون إلزامهم بحضور المحاضرات والمواظبة كما هو حال التعليم في المدارس أو الجامعات التقليدية.

والحقيقة التي يجب أن نراعيها ونفهمها عندما نتحدث إيجابًا أو سلبًا عن هذا النمط من التعليم هي كلمةالتعليمذاتها .

فإذا كانت التسميةالتعليم عن بعد واردة إلينا من النص الأجنبي (Distance Learning  (، فهي لا بد أن تكون التعلم وليس التعليم. وإذا ما أردنا مناقشة ما جاء في ندوةجريدة الدستورالتي أرادها الصحفي نايف المحيسن بتاريخ ٣ آذار ٢٠٠٢م. وشارك فيها السادة د.وليد المعاني و د.سعيد التل و د.عبدالله الموسى و د.منذر الشرع (وهم أغنياء عن التعريف)، فالأمر يحتاج إلى ورشة عمل يشارك فيها الطرف الآخر من الذين لهم علم ودراية وتجربة طويلة في هذا المضمار. فالمعنى العالمي للتعلم عن بعد (وليس للتعليم) جاءفي اعتقاديمطابقًا لما بدأناه قبل أكثر من أربعين عامًا .

أما إذا قصد الآخرون غير ذلك، فعليهم تصويب النص الأجنبي ليصبح “Distance Teaching“  بدلاً من 

“Distance Learning “.

فالتعلم يمكن أن يتم ويحصل دون حاجة إلى من يعلم أو يوجه. أما التعليم فهو الذي يحتاج إلى معلم وتوجيه ووسائل تكنولوجية حديثة في نقل المعلومات .

وعليه، فإنني أرفض أن يحرم الطالبطالب العلم في أي موقع من هذا الكون من ممارسة حقه الإلهي والدستوري من أن يتعلم بالوسيلة التي أتاحها له هذا الحق في المكان المتاح لهذا الغرض أكان في البيوت أو في المدارس أو المعاهد أو الجامعات التي لا ترى عيبًا أو ضررًا في تقدم الإنسان معرفيًا وعلميًا. كما أنني أرفض تفسيرالتعلم بالانتسابعلى أنهالبعد عن التعليم“. فقد مارس الأردنيون ومن قبلهم العرب في سوريا ولبنان ومصر وغيرها من البلدان العربية عملية التعلم عن بعد مراحل الدراسة الثانوية والجامعية على حد سواء. ولا داعي أن نشير هنا إلى معنىالتعليم المفتوحالذي طوّر القائمون عليه عملية الانتساب أوالتعلم عن بعدفنجح نجاحًا لا ينكره أحد، مما حدا بالهيئات العالمية تبني ودعم مشروع الجامعة العربية المفتوحة التي باركها واعترف بدرجاتها العلمية وزراء التعليم العالي العرب في اجتماعهم الإستثنائي في بيروت عام ٢٠٠٠م.

أما عن تجربتي في مجال خدمة طلبة الانتساب أو التعلم الذاتي ( عن بعد ) فقد كانت فريدة وحركة ثقافية وابداعية ( كما وصفها وزير الثقافة الأستاذ حيدر محمود ) حققت الهدف الذي وضعناه نصب أعيننا وهوخلق جيل عربي مثقف يعي مايدور من حوله” . فالعلم والتعلم والمعرفة هي الأدوات الوحيدة التي تمكننا من الحفاظ على تراثنا الثقافي والحضاري. والجهل العلمي هو الأمية بذاتها، ولهذا، فإننا نعتبر أنفسنا قد أسهمنا إسهامًا كبيراً مع مسؤولين في الأردن وغيره من البلدان العربية التي خدمنا ( وما نزال ) فيها بتحقيق نتائج إيجابية في مجال التعليم العالي يعرفها القريب والبعيد، وليس من اللائق القول أو الإشارة إلى نجاح التجربة أو الحركة الثقافية التي بدأناها عام ١٩٦٠  والتي مكنت الآلاف من الأردنيين والعرب من تحقيق طموحاتهم العلمية، مما أدى إلى انعكاسات إيجابية وإنسانية لهؤلاء الخريجين على مختلف الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وفي ضوء ماذكر، فإنني أدرك تمامًا بان التغيير في نمط التعليم التقليدي في ظل ثورة تكنولوجية المعلومات والاتصالات وحتمية ظهور ثورة المعرفة سيؤدي حتمًا إلى نجاح الدراسة عن بعد أكانت تعلمًا ذاتيًا أم تعليمًا موجهًا.

 

  بقلم د.فاروق مجدلاوي